اشْفَعوا تُؤْجَروا
داؤنا و دواؤنا

الناسُ للناس في كلِّ عَصْر وزَمَن بعضٌ لِبَعْضٍ وإن لم يَشْعُروا خّدَمُ.. فالله تعالى قَسَم بين العباد أَرْزاقَهم ومعايشَهم، ورَفع بعضَهم فوق بعضٍ دَرَجاتٍ {ليَتَّخِذَ بعضهُم بَعْضاً سِخْريّاً} الزخرف 32 إن البشر لا يَصْلُح حالهم ولا يستقيمُ أمْرُهم إلا بتحقيق التعاون بينّهم، وتبادُلِ المصالح والمنافِع، وأن يَسْعى لدفع كُلِّ غَمّ كاشِف وكُلّ هَمّ فارج. لقد رأىَ أهْلُ السّلف قضاء الحوائج من جلائل الأعمال وكرائِم الخصال. فكانوا يُقَدّمونها على أَداء النّوافل والاعتكاف في الجوامع، ويسْهرون ليلهم، ويظمأون نهارَهم في عُكفِهم على السَّير في الحاجات وتلبية الشَّفاعات.

كفّ الأذى
داؤنا و دواؤنا

الناس يختلفون في الغايات والمقاصد، وفي المذاهب والمشارب، فمنهم من تتحكم فيه الشهوات البدنيّة، ومنهم من تقوده الرغبات النفسيّة، ومنهم من يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، ومنهم من يبتغي فيما آتاه الله الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا. وصادقُ الايمان له وجهة عليّة وهمّة سنيّة، تنطلق من دعوة الاسلام الى فعل الخير ودوام المسابقة إليه، والله تعالى يقول: {ولكّل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات...} البقرة 148، وقد أخبر الله عز وجل أنه أوحى الى أنبيائه دوام فعل الخيرات بقوله: {وأوحينا اليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} الأنبياء 73.

أفَةُ اللّعْن
داؤنا و دواؤنا

إنّ أَشَدَّ الأَخْطار على الإنسان آفاتِ الّلسان، وما أَكْثَر هذه الأَخطاء، وما أشَرّس عَسْكرها الذي ينقضُّ على المَرْء من داخل حِصْنه، فيُحدثُ فيه إيلاماً وتَعْذيباً، وهَدْماً وتَخْريباً! وإِنّما يُكَبُّ النّاسَ في النار على مَناخِرهم حصائدُ أَلْسِنَتِهم. ما مِن سبيلٍ من ذلك الخَطَر الداهم إلا طولُ الصَّمْت، وتَرْكُ الهَزَر، لذا مَدَح الإسلامُ الصّمْتَ، وعَدَّهُ من أَحْسَن الفَضائل، ودعا إليه وقال في ذلك نَبِيُّنا الأَكْرَم صلى الله عليه وسم الذي أُوتِيَ جواهِرَ الحكم وجوامِعَ الكَلِم: «مَن صَمَت نَجَا» رواه الترمذي، وإن أيسَرَ العِبادةِ وأهونَها على البَدَن الصَّمتُ وحُسْنُ الخُلُق.

استدراج أهل الدنيا
داؤنا و دواؤنا

إن الله تعالى يُؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويُغني من يشاء، ويُفقر من يشاء، وإذا أعطى الله عبداً وأغناه فليس ذلك تشريفاً له أو تكريماً من مولاه، وليس دليلاً على حُبّ الله ورضاه، وإذا قنع الله عبداً وجعله بما أنزل إليه من خيرٍ قليل المال فقير الحال، فليس في ذلك بُرهانٌ على سخط الدّيّان، ونقمته من ذلك الإنسان. إذا أعطى الله المطيعَ الشاكر، ففي ذلك العطاء تمحيص وابتلاء، واذا أعطى العاصي الجاحد، ففي توارُد النعم عليه استدراج وإملاء! وبَسطُ الأرزاق أخطر على المرء من البؤس والإملاق.

النوايا الخفيّة‎
داؤنا و دواؤنا

لا يعلم خائنة الأعين وما تخفي القلوب إلا علاّم الغيوب. إن الصدور تُكن في بواطنها أسراراً وخفايا، وأستاراً وضباباً، لو يرفع الغطاء عنها في الحياة الدنيا لساءت علاقات وقامت صداقات، ولنشأت خصومات وظهرت مودّات، ولو كشفت النوايا المخبوءة لسلم أبرياء ونبذ أدعياء، ولعز أقوام وذل آخرون. إن الأقوال والأعمال الصالحات مناط بالمقاصد والنيات، والله عزّ وجل ينظر إلى القلوب والأعمال، لا إلى الصور والأشكال، وفي صدق النيّة جاء في الأحاديث النبوية: «من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الايمان» أخرجه الترمذي. إنّ النية الصادقة هي أصل الأعمال الصالحة، والعمل الصالح لا يعتد به إلا إذا صدر

أنتَ وخُصَماؤك
داؤنا و دواؤنا

قد تَخفى عليكَ مساوِئُك في معاملة الناس في التجارة والإجارة، وفي المُصاحبة والمُجاورة، والمُخاصمة والمُناصَحة، فيكثر خُصماؤك، وأنتَ ذاهل، وقد تهون عليك عَثَراتُك في أفعالك فيقلَّ أحباؤك وأنت غافل، وما كل إساءة في الحياة تُدرِكها فطانةُ فاعلها، وما كلُّ مَظلمةٍ في العباد يُحسُّ بها جانيها. فكم من قلوبٍ فُجِعَت وما يدري فاجِعُها! وكم من أكبادٍ حُرِمَت وما يشعر جارِحُها، وكم من أجْفانٍ قُرحَت وما يدري قارحُها! وإن نكايات الناس لا تُحـصى، وشكايات الوَرى بعدد الحَصى. والناس الفُطُن هم الذين يعمَلون لما بعد الموت، وأكْيَس الناس هم أشدُّهم للموت ذِكراً، وأكثرهم للآخرة استعداداً وعَمَلاً؛ أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. إنه لا ينجو في الآخرة من شدةِ الحساب وهَول العِقاب، إلاّ من حاسَبَ نفسَه في الدنيا

يا لها مِن فِتنة!
داؤنا و دواؤنا

قد يطلبُ المرءُ من مُغْريات الدنيا ما فيه عَطَبُه، ويتمنّى من شهواتها ما يتهدَّدُه خَطرُه، ويشتَهي مِن لذّاتها ما يصيبه عذابُه، وإن من أشدِّ المَلذّات إيقاعاً في البلِيّات وإركاساً في الخطيئات طلبُ الولايات والتطلُّع إلى الإمارات. إن كلَّ مؤمنٍ مُهيَّأٌ لحَمْلِ الشَّهادة، واعْتِناق العَقيدة، ومُؤهلٌ لتحمُّل العبادة وإقامة الشـريعة، ولكن قلَّما تَلقى مؤمناً حقيقاً بأمانة البلاد وشؤون العباد؛ ولو يُعطى الناس بدَعواهم وأمانِيهم لصار الناس وُلاةً بلا ولاية، ورُعاةً بلا رعيَّة! قد تكون الولاية في مُبتدئها رَغداً وسعادة، لكنها تنقلب في مُنتَهاها نَكداً ونَدامة، وفي ذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستَحْرصونَ على الإمارة، وستكون نَدامة يوم القيامة، فنِعمَ المُرضِعة وبِئسَت الفاطِمة» أخرجه البخاري؛ فهي آسِرةٌ مَحبوبةٌ شَأْنُها كشأنِ الُمرضِعة للرَّضيع، ولكنَّ عاقِبَتها بعد الفِطام والانفصال عاقبةٌ وخيمة ما لم يكن الذي تولّاها أميناً ومُؤدِّياً حقوقَها. وقد نبَّهَنا سيِّدُ الخَلْق إلى ثِقَلِ أمانة المتولّي في قوله: «ما من رجلٍ يَلِيَ أمرَ عَشـرة فما فوق إلّا أتى الله يومَ القيامة، يدُه مَغلولةٌ إلى عُنُقه، فَكَّه بِرُّه أَو أوْثَقَه إثمه، أوَّلُها ملامَة، وأوْسَطُها نَدامة، وآخرها خِزيٌ يوم القيامة» أخرجه أحمد.

أثرُ المَواعِظ
داؤنا و دواؤنا

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّثُ الناس حديثَ المَوعظة والهداية والنصيحة في كلِّ يوم خميس، فقال له بعض الحاضرين يوماً مُتأثِّرين بأدبه ومُتَّعظين بهَديِه: «لَوَدِدْنا أنَّك ذكَّرتَنا كلَّ يوم!» قال: «أمَا إنه يمنعُني شيء من ذلك أنّي أكرهُ أن أُمِلَّكُم، وإني أتَخَوَّلُكم بالمَوعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتَخَوَّلُنا بها مخافةَ السآمة عليكم» رواه البخاري. إن الموعظة والتذكرة واجب شرعي من أعمالِ الأمْرِ بالمعروف والنَّهْيِ عن المُنكر، وهي شُعبَةٌ من شُعَب الدعوة إلى الله التي لا يقوم الدين بدونها، ولا تنتشـر الدعوة إلاَّ بها.. وهي وظيفة من وظائف الأنبياء والمُرسَلين التي تتوارثها الأمةُ كابِراً عن كابِر، ووارِثاً عن ناقِل! إن المؤمنين مُكَلَّفون باتباع سُنن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بنهجه

مَن لتربيةِ الأبناء
داؤنا و دواؤنا

إذا كانت الأزمنةُ تَتبارى فيها الشـُّرور والمفاسِد، والمِحن والشّدائد، فلا يأتي زمانٌ إلاّ والذي بعدَه شرٌّ منه على امتداد القرون والدُّهور، حتى تقومَ الساعة ونَلقى العزيز الغَفور، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي أن يُؤْيِسَنا هذا القَضاء المَسطور من رحمة الله، ويُقنطَنا من انتِظار الفرَج بعد الشِّدة، والْتِماس المَخرَج بعد المِحنَة.

التَّقلِيد البَغِيض
داؤنا و دواؤنا

إنَّ مِن أسبابِ البَلاء والهَلاك، والشَّقاء والهَوان، مخالفةَ أوامِر سيِّدِ الأنام صلى الله عليه وسلم، والتحوُّل عن سُنَّتِه وآدابه، وهَدْيِه وتعاليمه، إلى متابعةِ كلِّ ناعِق عَنيد، والإصغاء إلى كل شَيطان مَريد، وفاعِلُ ذلك يَستَحِقُّ من اللهِ التَّهديدَ والوَعيد. يقول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِين يُخالِفونَ عن أمْرِهِ أن تُصيبَهم فِتنةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليم} النور-63، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وجُعِل الذُّلُّ والصَّغار على مَن خالَف أمري» أخرجه أحمد.

1234